بشكل مفاجئ، تحوّلت لعبة بال ورلد إلى ظاهرة عالمية تنافس مع أقوى العناوين السائدة التي استمرت في الاحتفاظ بمرتبة الأكثر مبيعًا والأكثر لعبًا في منصة “ستيم”، وذلك بدون حملات دعائية ضخمة.
تمكنت اللعبة بنجاح فاجئ من جذب انتباه العالم بأسره لعدة أسباب، أهمها أن اللعبة لم تكن مطورة بواسطة شركة مصنعة لعب معروفة سلفًا ، وأنها لم تقدم فكرة مبتكرة أو ثورية مثل “بابجي” في بداية ظهورها ، وهذا الأمر هو الذي يبهر الجميع في هذا النجاح.
ومع ذلك، كيف تمكنت هذه اللعبة من تحقيق هذا المستوى التميز، وهل ستستمر في الاستمرار في هذا الموقف أم ستندثر بين الألعاب التي أثارت ضجة قبل أن تختفي؟
رحلة مليئة بالصعوبات تكللت بالنجاح
على الرغم من أن لعبة “بال ورلد” اليوم هي ثاني أكثر الألعاب احتفاظاً باللاعبين في منصة “ستيم”، إلا أن رحلة تطويرها لم تكن سهلة. وقد وصف تاكورو ميزوبي، المدير التنفيذي لشركة بوكيت باير، المطورة للعبة، رحلة تطويرها في تدوينة نُشرت على مدونة اللعبة الرسمية، بأنها لم تكن “رحلة تطوير بالشكل الصحيح المتعارف عليه”.
تجعل رحلة التطوير المتعثرة التي تعرضت لها لعبة “بال ورلد” وجودها في حد ذاته أمرًا معجزة، دون الحديث عن النجاح الكبير الذي تحققه، وهي الرحلة التي وصفها ميزوبي في تدوينة الاحتفال بإطلاق اللعبة.
في البداية، استغرقت ميزوبي شهرًا كاملاً لتطوير شخصية واحدة فقط في عالم اللعبة ولكن اللعبة نفسها بحاجة إلى 100 شخصية أخرى. وبالإضافة إلى ذلك، كانت الجوانب التنظيمية المعتادة للشركة مفقودة، حيث لم توفر الشركة ميزانية واضحة لعملية التطوير ولم يكن هناك الكثير من الخبرة المسبقة في تطوير الألعاب ضمن الفريق الذي عمل على اللعبة.
تكون فريق اللعبة مؤلفًا من 40 فردًا عند الانتهاء من تطوير لعبة “بال ورلد”. بسبب مشاكل الميزانية في الشركة، لم يكونوا قادرين على توظيف العديد من خبراء تطوير الألعاب أو حتى المبرمجين بشكل عام، مما جعل عملية التطوير غير منظمة في أحسن الأحوال. ربما أكثر الأمثلة وضوحًا لذلك كان تغيير محرك اللعبة من “يونتي” إلى “يونريل” نظرًا لتفضيل أحد خبراء تطوير الألعاب في الفريق، والذين كانوا قلة لا يُلاحظون. وبسبب هذا القرار العشوائي، تم إعادة تطوير اللعبة من الصفر في منتصف الطريق.
شكل أعضاء الفريق الباقين مجموعة غريبة من هواة تطوير الألعاب والرسوم المتحركة، بداية من المسؤول عن حركة الأسلحة في اللعبة، حيث كان يعمل في متجر بدوام جزئي ولم يحصل على شهادة جامعية، إلى جانب شخص تم رفضه سابقًا عندما قدم لوظيفة في استوديو بوكيت باير، ثم تم إعادة توظيفه لتصميم وحوش اللعبة بشكل كامل.
وفيما يتعلق بالميزانية، تفسر فلسفة مزوبي الأزمة التي كانوا يمرون بها، حيث قال في منشوره: “كان الحد الأقصى للإنفاق على الميزانية الذي نصل إليه هو أن يكون حساب الشركة في البنك صفرًا، وبعد ذلك يمكننا أخذ قروض مالية، وعندما ينفد هذا المال نقترض من جديد حتى نبدأ اللعبة وتكون ناجحة”.
خليط فريد من ألعاب متنوعة
وصف لعبة “بال ورلد” بأنها “شبيهة بوكيمون” أو “بوكيمون مع أسلحة” يُظلمها ويُظلم التجربة الفريدة التي تقدمها، إذ تجمع بين جوانب متعددة من الألعاب بطريقة تنشر الشكوك حول نجاحها في البداية، ولكن يبدو أن اللاعبين بالضبط هم الذين كانوا يحتاجون ذلك.
في البداية، تصنف اللعبة نفسها ضمن فئة “ألعاب تقمص الأدوار”، وتشير هذه الفئة إلى الألعاب التي يتاح لك فيها بناء شخصية واختياراتك والتجول في عالم مفتوح وتطوير قدراتك واستخدام أسلحة. وتعتبر أيضاً لعبة نجاة، حيث يتطلب منك بناء ملجأ وتربية المخلوقات الصغيرة والبحث عن الموارد بشكل مستمر. وتدخل أيضاً في تصنيف لعبة قتالية، بسبب المعارك التي تخوضها مع وحوش تربيتها داخل اللعبة. وأخيراً، تعتبر لعبة مغامرات وألغاز مشابهة لـ “ليجيند أوف زيلدا: بريث أوف ذي وايلد”.
تقديم هذا التركيب الفريد من نوعه جلب تجربة ممتعة ومليئة بالإثارة، حيث تُولد دائمًا محتوى جديد من خلال المعارك مع لاعبين آخرين أو محاولة اصطياد الوحوش الأقوى، وربما الكشف عن ألغاز هذا العالم المميز وقصته. وهذا التجمع كان مفقودًا في تجربة لاعبي الكمبيوتر.
قد يكون لهذا السبب أنها تواجه “نينتندو” صعوبات في رفع دعوى قضائية ضد شركة بوكيت باير، بسبب أن تشابه الألعاب “بوكيمون” وهذه اللعبة بعيد وليس مطابقًا بما يكفي لاتهامها بالسرقة الفكرية.
نجاح متزايد
من التحدث عن النجاح الذي تمكنت لعبة “بال ورلد” من تحقيقه مهمة صعبة، لأنها تستمر في تحطيم الأرقام القياسية بشكل مستمر، بدءًا من عدد نسخ اللعبة المباعة، وصولاً إلى عدد اللاعبين المسجلين في نفس الوقت، وهو المعيار الأكثر أهمية وأفضل حسب “ستيم”.
ومن أجل وصف هذا النجاح بشكل أفضل، من الضروري معرفة حجم الألعاب الأخرى الكبيرة في “ستيم”. حاليًا، تمتلك لعبة “ببجي” لقب أكبر عدد من اللاعبين المسجلين، حيث يفوق عددهم 3.2 مليون لاعب متصل. وتليها لعبة “كاونتر سترايك 2″، التي تحظى بشعبية كبيرة في المنطقة العربية والعالم، حيث يبلغ عدد لاعبيها أكثر من 1.8 مليون لاعب. وتأتي بعدها لعبة “لوست آرك” بأكثر من 1.3 مليون لاعب، وأخيرًا لعبة “دوتا 2” بأكثر من 1.2 مليون لاعب.
خروج لعبة “بال ورلد” للنور قد تسبب في تغيير هذه القائمة الثابتة لشهور، حيث تصعد اللعبة تدريجيًّا حتى تصل إلى المرتبة الثانية مع 2.03 مليون لاعب متصل في غضون 5 أيام فقط. تم بيع أكثر من 8 ملايين نسخة منها خلال نفس الفترة وذلك بمعدل يصل إلى 86 ألف نسخة في اليوم الواحد. تلك الأرقام تمّ توثيقها من قِبَل موقع “ستيم دي بي”، المتخصص بإحصاءات منصة “ستيم”.
لم يحدث صعود اللعبة بشكل فجائي، فبدأت رحلتها منذ لحظة الإطلاق مع 168 ألف لاعب في 19 يناير/كانون الثاني الماضي، ثم ارتفع إلى 910 ألف لاعب في 21 يناير. وفي 22 يناير، تمكنت من تجاوز المليون مع 1.3 مليون لاعب متصل، ثم وصلت إلى 1.6 مليون لاعب في 23 يناير، وبعدها وصلت إلى 1.9 مليون لاعب في 25 يناير. وأخيرًا وصل التطبيق إلى 2.03 مليون لاعب في 26 يناير.
لماذا نجحت بهذا الشكل؟
الوصول بنجاح لعبة “بوكيمون غو” له ينسب لنقطة واحدة فقط، وهذا يعتبر ظالمًا لتجربة اللعبة بأكملها، ولكن إذا كان علينا تحديد نقطة واحدة فقط تمثل سببًا في هذا النجاح، فإنها ترجع إلى عدم وجود منافسة حقيقية في قطاع ألعاب “بوكيمون” المشابهة.
تمكنت لعبة “بوكيمون” الأخيرة، والتي تحمل اسم “بوكمون سكارليت آند فيوليت”، من بيع 23 مليون نسخة حتى الآن منذ إصدارها في عام 2022 وفقًا للموقع المذكور. “ستاتيستا” فاللعبة تتواجد فقط على منصة واحدة وهي “نينتندو سويتش”.
لذلك، عندما يظهر لعبة تقدم نفس التجربة التي يفتقدها لاعبو الكمبيوتر الشخصي، بالإضافة إلى تحسينات جديدة في عالم اللعبة تجعلها أكثر متعة، فمن المنطقي أن تحقق هذا النجاح الضخم في وقت قصير.
في الرغم من أن نجم لعبة “بال ورلد” تألق بسرعة، يجب عدم التغاضي عن الألعاب الأخرى التي حاولت المنافسة في نفس الفئة ولم تحقق نجاحًا مشابهًا، بما في ذلك لعبة “تيم تيم” التي كانت واعدة، ولكن قلة المحتوى الخاص بها جعلها تفقد فرصتها.
ماذا بعد؟
نجاح “بوكيمون غو” على الفور لا يعني نهاية رحلتها، بل هو بداية الرحلة. في حين تفتقر صناعة الألعاب المنافسة في قطاع “بوكيمون”، تواجه ألعاب الحاسوب منافسة أكثر من ألعاب “نينتندو”. وستواجه “بوكيمون غو” تحديات كثيرة في طريقها إلى النجاح المستدام.
في البداية، يجب أن تركز اللعبة على تزويد اللاعبين بمحتوى إضافي متجدد، مثل التحديات والشخصيات والوحوش الجديدة، وهذا ما ساهم في استمرارية “بوكيمون” حتى اليوم. بالإضافة إلى ذلك، يجب على المطورين تطوير مزايا اللعبة وإضافة المزيد من المحتوى لعدم فقدان اللاعبين شغفهم بهذا العالم بسرعة. أيضًا، حل المشاكل التقنية ومشاكل الخوادم التي يعاني منها اللاعبون حاليًا هو خطوة هامة في تطوير اللعبة.
ولكن في النهاية، من النادر أن نشهد لحظات مثل نجاح “بال ورلد”، وهي لحظات تقلب عالم الألعاب على أعقابه، وتعيد توزيع موازين القوة في إحدى أكثر ساحات البرمجيات تنافسا.